Search
Close this search box.
Search
Close this search box.

اليوم العالمي لحرية الصحافة: واقع الصحفيين/ات العالقين/ات في قيود الحرب على غزة

شروق أسعد، صحفية فلسطينية، عضو في نقابة الصحافيين، ومنسقة المنطقة في فلسطين في برنامج النساء في الأخبار التابع للمنظمة العالمية لناشري الصحف والأنباء ‘وان-إيفرا’.

3 أيار/مايو، هو اليوم العالمي لحرية الصحافة، الذي يسلط الضوء على أهمية الصحافة المستقلة والدور الأساسي الذي يلعبه/تلعبه الصحفيون/ات لنقل الواقع للمواطن ومحاسبة السلطة. لقد كان عمل الصحافة وتغطية الحرب على غزة، المهمة الأكثر خطورة للصحفيين/ات في التاريخ، حيث أودى بحياة أكثر من 130 صحفيًا وصحفية خلال الأشهر السبعة الماضية.  بحسب المعلومات التي شاركتها شروق أسعد مع ‘وان-إيفرا’، بتوثيق الخسائر الفادحة والدمار الذي خلفته الحرب على الصحفيين/ات الفلسطينيين/ات، وخاصة في غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول.

يوم 3 أيار/مايو من كل عام، هو اليوم الذي يثني على أهمية حرية الصحافة. علماً أن المجال الصحفي يواجه تحديات في أوجه عدة في نقل الأحداث بأكملها في جميع أنحاء العالم.

ما هي أبرز التحديات التي يواجهها الصحفيون/ات في نقل الحرب على غزة؟

أولاً، التحدي الرئيسي هو البقاء على قيد الحياة، والحصول على الحماية والأمان. وفي حين أن هناك العديد من التحديات والصعوبات في الضفة الغربية، كما في القدس، فإن المخاطر أكبر في غزة.

ثانياً، بسبب عدم وجود الحماية، لا يوجد مكان آمن- فقد كان الصحفيون/ات هدفاً للغارات الجوية. ومنذ بدء الحرب، سجلت نقابة الصحفيين الفلسطينيين مقتل 134 صحفياً على الأقل ومنهم 16 من النساء في غزة، وواحد في الضفة الغربية. ويفقد العديد من الصحفيين/ات حياتهم/ن إلى جانب أسرتهم/ن. ويتعرض الصحفيون/ات للقصف في منازلهم/ن ومكاتبهم/ن وشوارعهم/ن. وقد تلقى العديد منهم/ن تهديدات مباشرة، ثم تعرضت منازل عائلاتهم/ن للقصف فيما بعد. لقد فقدوا آبائهم/ن وأطفالهم/ن وإخوتهم/ن، في حين أن إسرائيل قتلت 9% من الصحفيين/ات في غزة خلال 200 يوم تقريباً.

ثالثاً، يجب أن يكون الصحفيون/ات قادرين/ات على كتابة التقارير بحرية بما يتماشى مع القوانين الدولية. ولكن بعد مرور سبعة أشهر على الحرب، حدث تعثُّر في الاتصالات وشبكة الإنترنت. وكان هذا نفسه تحدٍّ كبير للصحفيين/ات وهم يكافحون/ن من أجل إيصال الخبر. هم/هن في خطر، لا يمكنهم/ن طلب المساعدة. لا يوجد وقود، لذلك عليهم/ن المشي من مكان إلى آخر لنقل الحدث. في بعض الأحيان، يستخدمون/ن عربات بدائية تجرها الحمير. كما أنهم/ن بحاجة إلى السعي للعثور على الطعام والماء والخيام والبطانيات للبقاء على قيد الحياة. فقد نزح 1500 صحفي/صحفية للمرة الرابعة أو الخامسة، معظمهم في خيام صنعوها بأيديهم/ن مما يتوفر في السوق المحلية، والتي لا تحفظهم/ن من المطر أو الطقس البارد أو الحار. بالمقابل، بقي 100 صحفي/صحفية في مدينة غزة وشمال غزة في المجاعة و تحت الحصار العسكري.

أيضاً هناك العديد في الوسط والجنوب منعزلين تمامًا. لعدة أشهر، بالكاد نقوم بتوصيل أي شيء إليهم/إليهن من السوق المحلية في رفح، بينما يضطر الصحفيون/ات في شمال ومدينة غزة أحيانًا إلى تناول طعام الحيوانات من شدة الجوع.

كيف تكون ظروف العمل؟

معظم الصحفيين/ات في غزة لا يستطيعون/ن العمل من المكاتب جرّاء القصف. وعندما خرج الصحفيون/ات إلى الشوارع لتغطية الحرب، تم استهدافهم/ن، وعندما عادوا/عدن إلى منازلهم/ن، تم استهدافهم/ن أيضاً. يتم استهداف الصحفيين/ات في خيامهم/ن، في سياراتهم/ن. إنهم يخشون زيارة أطفالهم/ن وعائلاتهم/ن خوفًا من استهداف عائلاتهم/ن. وحتى عندما يعرّفون/يعرِّفن أنفسهم/ن أنهم/ن يعملون/ن في مجال الصحافة، فإنهم/ن يتعرضون/ن للهجوم. ويحافظون/ن على ارتداء سترات السلامة معتقدين/ات أنها تحميهم/ن كما ينص القانون الدولي، لكنها للأسف، بعيدة ذلك.

سجلت نقابة الصحفيين الفلسطينيين تفجير ما لا يقل عن 73 مكتباً في غزة، بما في ذلك لرويترز ووكالة فرانس برس والعديد من القنوات الإخبارية والمحلية العربية. و11 عملية غزو ودمار جزئي لمكاتب الإعلام في الضفة الغربية.

كل هذا يجعل العمل الصحفي وإيصال الخبر أمرًا صعبًا وكارثيًا بالنسبة للصحفيين/ات، و يشكِّل تحدي كبير جدًا في النشر.

علماً أن إسرائيل اعتقلت 100 صحفي/ة في غزة والضفة الغربية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، 45 منهم/ن ما زالوا في السجون الإسرائيلية. كما أخبرَنا الصحفيون/ات الذين أُطلق سراحهم/ن بشهادات دامغة عن تعرضهم/ن للضرب والإهانة ونقص الغذاء والماء، ومنع عائلاتهم/ن من زيارتهم/ن. وواجهت الصحفيات اللاتي تم اعتقالهن معاملة سيئة، كما ذكرن، وكانت اثنتان من الضفة الغربية حاملاً في الأشهر الأخيرة، ويواجهن ظروف صحية صعبة.

كما أن الجنود الإسرائيلية اقتحمت منازل الصحفيين/ت في منتصف الليل، ولم يتم إخبارهم/ن عن سبب اعتقالهم/ن ولم نتمكن من إطلاق سراحهم/ن، حتى بمساعدة المنظمات الدولية.

تُفقد حرية التعبير. لذا، لا يكافح الصحفيون/ات فقط من أجل إيصال حدث ما، أو البقاء آمنين/ات، أو الوصول إلى الكهرباء، أو الطعام، أو الإنترنت فحسب، بل لا يمكنهم/ن أيضًا التعبير عن آرائهم/ن. وكان معظم الصحفيين/ات الذين تم اعتقالهم/ن محتجزين/ات بسبب ما كتبوه بشأن غزة خاصة والضفة الغربية، وما نشروه على وسائل التواصل الاجتماعي.

ولا يتم نقل الصحفيين/ات المعتقلين/ات إلى المحكمة، هم/هن رهن الاعتقال في المعتقلات فقط. حيث أن السلطات الإسرائيلية تستخدم قانوناً بريطانياً نُص قديماً لاعتقال الصحفيين/ات دون الحاجة إلى شرح السبب أو إلى نقلهم/ن إلى المحكمة. يبقون/يبقين في الحجز لعدة أشهر تحت شتى أنواع العنف. ويتم تجريدهم/ن من ملابسهم/ن واستجوابهم/ن بوحشية و يحصلون/يحصلن على القليل من الطعام والماء، وحتى لا يُسمح بالزيارة لعائلاتهم/ن أو أقاربهم/ن. 

في الواقع، زملائنا وزميلاتنا في غزة ليسوا آمنين. في أي لحظة، يمكننا أن نتلقى خبر فقدانهم/ن. هناك تفجيرات وقصف عشوائي في كل مكان حولهم/ن. والعديد من زملائنا وزميلاتنا موجودون/ات الآن في رفح وخان يونس ودير البلح. علماً أن رفح هي منطقة صغيرة جدا لم يتجاوز عدد سكانها 20،000 شخص ولكن الآن تحتضن 1.8 مليون نازح/ة.

وفي الضفة الغربية، هناك ما يقرب 500 حاجز تفتيش ومستوطنة عسكرية إسرائيلية وجدران أسمنتية تمنع الصحفيين/ت من الانتقال إلى أماكن آمنة. بعض زملائنا/وزميلاتنا مهددون/ت بشكل مباشر بأنهم سيُقتلون/ن إذا شوهدوا/ن وهم/ن يغطون/ين الأخبار في القدس أو على الحدود بالقرب من غزة. لدينا حوالي 60 صحفياً وصحفية أبلغوا/ن عن هجمات من مستوطنين إسرائيليين مسلحين، في حين أفاد العشرات أنهم/ن تعرضوا/ن لسوء المعاملة عند حواجز التفتيش، وأُصيبوا/ن وكُسرت معداتهم/ن.

في فلسطين، وحتى قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، تعرض/ن الصحفيين/ات لهجوم إسرائيلي. لقد فقدنا 55 صحفيًا وصحفية منذ عام 2000 إلى 6 أكتوبر 2023. وأفاد الصحفيون عن وقوع 9000 هجوم خلال هذه الفترة. الحال هو أنهم/ن يغادرون/ن المنزل لتغطية الخبر لكنهم/ن لا يعرفون/ن ما إذا كانوا/كن سيعودون/سيعدن إلى عائلاتهم/ن.

عندما يذهب المراسلون/ات لتغطية الحدث في أي مكان في العالم، يمكنهم/ن المغادرة بسلام. ولكن ليس هو الحال في غزة! الصحفي/ة هو/هي هدف. لقد فقد كل صحفي وصحفية أحد أفراد أسرته/ها. زوجي، على سبيل المثال، عمل مع سكاي نيوز عربية. لقد فقد 70 من أفراد أسرته، معظمهم من الأطفال والنساء وكبار السن. في كل مرة أقوم أنا وزملائي بتغطية المظاهرات في الضفة الغربية، نتعرض لهجوم بالرصاص والغاز المسيل للدموع. علاوة على ذلك، الوصول إلى غزة لتقديم تقرير حقيقي عما يحدث هو مهمة مستحيلة. وهذا ليس فقط للصحفيين/ات الفلسطينيين/ات والعرب، إنما للصحافة الأجنبية أيضاً.

توجهت رابطة الصحافة الأجنبية إلى المحكمة للحصول على تصريح للذهاب إلى غزة لنقل ما يحدث هناك.  إلا أن المحكمة الإسرائيلية رفضت منحها هذا الحق.

الجدير بالذكر أن هذا ليس وضعًا جديدًا بالنسبة لنا كصحفيين/ات. منذ اليوم الأول للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، أصبح الصحفيون/ات هدف. أنا صحفية ومراسلة منذ 30 سنة، وكل صحفي/ة لديه/ها قصص شخصية عن الهجمات وإطلاق النار والاعتقالات. لقد أصبح الأمر أكثر وحشية منذ 7 أكتوبر. الجنود والقناصة الإسرائيليون يطلقون الرصاص ويستخدمون القنابل الثقيلة والمحرمة دُولياً. إنهم يمحون أحياء بأكملها، عائلات بأكملها.

في رأيك، ما هو الرد الدولي المحتم والموجب إصداره في حجم هذا الدمار؟

في بداية الحرب في غزة في أكتوبر، تبنى المجتمع الدولي ووسائل الإعلام الأجنبية الرواية الإسرائيلية أخبار مزيفة و تم نشرها بدون أي تحقيق مسبق، وبدون أخذ آراء كلا الجانبين أو التحقق من صحة المعلومات ومقاطع الفيديو. لقد جردوا الفلسطينيين/ات والصحفيين/ات والأطفال والأطباء من إنسانيتهم/ن. لقد رأينا تهميش وقمع في الحق في الدفاع عن النفس، علماً أن معظم التغطية الإعلامية الأجنبية تفتقر خلفية تاريخية عن احتلال فلسطين لمدة 75 عامًا. إضافةً الى ذلك، جمدت المنظمات الممولة تمويل المؤسسات الإعلامية والصحفيين/ات. وتلاشى الحديث عن حقوق الإنسان وحرية التعبير والعدالة التي لطالما تحدث عنها القانون الدولي. 

خابت آمالنا! لكن ما يحدث الآن في الكليات الأمريكية ورد فعل الشرطة يجسد نفس سياسة القمع في حرية الرأي والتعبير.

ومع ذلك، لدينا أمل في النظر إلينا كصحفيين/ات وبشر. ولا ينبغي التعامل مع هذا الوضع على أنه مجرد هجوم على الصحافة الفلسطينية. يجب أن يتعلق الأمر بالصحافة في جميع أنحاء العالم لأنها تهاجم مبادئ الإعلام وأخلاقياته وحقوقه وقوانينه.

لقد قدم الاتحاد الدولي دعماً للصحفيين/ات وتواصل معنا العديد من الصحفيين/ات الأجانب لسرد قصصنا، الأمر الذي يعطي أمل في الاستمرار. كما قدمت المنظمات الدولية مثل ‘وان-إيفرا’ ولجنة حماية الصحفيين ومنصات أخرى دعمًا طارئًا للصحفيين والصحفيات. 

ونريد أن يمارس المجتمع الدولي ما حث عليه به منذ سنوات بشأن حقوق الإنسان. نريدهم أن يقدموا القصة وأن يمنحوا الفلسطينيين/ات نفس المساحة التي يمنحونها لأي شخص آخر. نريدهم أن يحققوا وأن يكونوا دقيقين. نريدهم أن يضغطوا على صناع القرار في بلدانهم لوقف قتل الصحفيين/ات.

عندما نتحدث مع زملائنا وزميلاتنا، يقولون/ن إنهم/ن يشعرون بالتخلي عنهم. إنهم/ن يتعرضون/ن للقصف بمفردهم/ن، ويموتون/ن بمفردهم/ن، ويتضورون/ن جوعا بمفردهم/ن. لذلك من المهم أن ندعم زملائنا وزميلاتنا وأن نقول بأعلى صوت: “أوقفوا استهداف وقتل الصحفيين في غزة”. منحهم/ن الحماية التي يستحقونها وفقاً للقانون الدولي، ومنحهم/ن الحق في طلب المسؤولية.

ونقوم، بدورنا كنقابة الصحافة الفلسطينية، بإعداد ملفات للمحكمة الجنائية الدولية. وينبغي محاسبة إسرائيل على الحرب وعمليات القتل. سوف نطرق جميع الأبواب في المحاكم أو من خلال منصات التواصل الإعلامي. في هذا اليوم، نحزن على زملائنا البالغ عددهم 134، ونسمي ما يحدث في غزة بأنه إبادة جماعية. سوف نتذكر زملائنا وزميلاتنا بالاسم، والحياة القيِّمة التي عاشوها، والقصص الجميلة والفعالة التي قدموها فداءً للأرض والوطن. 

ستُجرى مقابلة مع شروق أسعد في WAN-IFRA World News Media Congress في كوبنهاغن من 27 إلى 29 أيار/مايو 2024.

انظر هنا call for international support للجنة حماية الصحافة/’وان-إيفرا’ للزملاء والزميلات الذين/اللواتي يقدمون/ن تقارير عن أكثر الصراعات خطورة  للصحفيين/ات على الإطلاق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *