Search
Close this search box.
Search
Close this search box.

“شروق أسعد”: الإعلام الدولي لم يعد بمقدوره أن يتجاهل الإعتداءات الإسرائيلية في فلسطين

الجيل الجديد من الشباب استخدم التكنولوجيا بطريقة ساهمت في تعريف العالم بحقيقة الأوضاع الإنسانية في فلسطين 
تدمير مبنى المؤسسات الإعلامية في غزة كان نقطة تحول في الرأي العام العالمي.. وأظهر كذب الرواية الإسرائيلية
عدد الصحفيات في فلسطين يتزايد.. وهن يعملن في جميع الوظائف الإعلامية بقوة وجرأة 

على مدار 27 عاماً، عملت “شروق أسعد” كصحافية ومراسلة تلفزيونية من داخل الأراضي الفلسطينية، وبالإضافة للعمل لصالح تلفزيون فلسطين منذ تأسيسه عام 1995، عملت “شروق” أيضاً مع العديد من القنوات العربية والأجنبية، بما في ذلك الجزيرة والعربية وقناة النيل للأخبار، وحصلت “شروق” على جائزة الصحافة العربية من دبي عام 2000، بالإضافة إلى الجائزة الذهبية من مهرجان القاهرة الدولي للتلفزيون والراديو عن فيلمها الوثائقي “صحفيون يغطّون الصراع” عام 2002.

تحدّث عضو اللجنة التوجيهية لبرنامج “النساء في الأخبار” في مصر إيهاب الزلاقي مع “شروق” حول ملامح التغطية الإعلامية للاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة، وتأثير التكنولوجيا على توثيق الحدث وتغيير الرأي العام، بالإضافة إلى الظروف التي تعمل فيها الصحافيات الفلسطينيات.

خلال الأحداث الأخيرة هل كانت التغطية الإعلامية وتناولها يختلف عن تغطية   الاعتداءات الإسرائيلية السابقة؟ 
كانت التغطية الإعلامية خلال الأحداث الأخيرة بالفعل مختلفة، وألقت الضوء بشكل كبير على فلسطين ليصبح واضحاً أمام العالم مدى استخدام القوة المفرطة من جانب إسرائيل، والصحافيون المعنيون بتغطية القضية الفلسطينية يعرفون منذ سنوات مدى تزايد حدّة الاعتداءات الإسرائيلية كل عام والتي وصلت لذروتها خلال الاعتداءات الأخيرة؛ فما قامت به إسرائيل على مدى 12 يوماً كان يماثل ما قامت به أو أكثر  في ستين يوماً خلال الحرب على غزة عام 2014؛ لذلك ظهرت هذه المرة حالة من التضامن الإعلامي كانت واضحاً في تغطية محطات لم تكن تهتم من قبل بنقل ما يحدث في فلسطين، ولم يعد من الممكن أمامها تجاهل صور موت الأطفال والنساء، والدمار في غزة، وتدمير البنية التحتية.

كما ظهر أمام الإعلام بوضوح آثار الخطاب العنصري الذي قادته إسرائيل على مدار سنوات ضد العرب والفلسطينيين في صور الاعتداءات على منازل الفلسطينيين، ورفعهم شعارات تدعو لطرد العرب بينما الشرطة لا تتحرك وتحمي طرفاً واحداً. شخصياً، شاهدت الكثير من الصحافيين/ات الأجانب في باب العامود والشيخ جرّاح ومواجهات رام الله وحيفا لم يتمكنوا من تجاهل نقل حقائق هجوم واعتداء القوات الإسرائيلية على الناس خلال اعتراضهم السلمي. بشكل عام يمكن القول إن إسرائيل خسرت المشهد الإعلامي والإنساني.

كيف أثرت التكنولوجيا وانتشار مواقع التواصل على نقل صورة حقيقية لما يتعرض له الصحافيين/ات في مناطق الصراع؟
تأثير التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي كبير، ولا يظهر هذا الأمر في نقل الإعلاميين للحدث أو ما يتعرضون له من انتهاكات فحسب، لكن كذلك على مشاركة المواطنين في التغطية؛ فمثلاً، خلال الأحداث الأخيرة كان هناك حضور واضح وذكي للجيل الجديد في فلسطين؛ الجيل الذي اعتقدت إسرائيل أنها سحقته ومحت هويته ووجوده وأحلامه، هذا الجيل استخدم التكنولوجيا كأحد أدواته للمطالبة بحقوقه مثل التظاهر. خلال الأحداث الأخيرة، كان أثر الجيل الجديد واضحاً في فلسطين والعالم من النشطاء العرب والأجانب والفنانين. 

حولت التكنولوجيا المواطنين/ات إلى صحافيين ومراسلين، فأصبح كل شخص من خلال كاميرا الموبايل وكأنه فريق عمل إعلامي ينقل ما يحدث في كل مكان خاصة وأن كل المشاهد المسجلة كانت تخاطب الإنسانية؛ لذلك وصلت للناس في كل العالم من خلال الهاشتاجات على مواقع التواصل الاجتماعي التي اضطرت لنشر الفيديوهات رغم أنها تنتهك سياسة المحتوى الخاصة بها.

وبالنسبة للصحافيين ساهمت التكنولوجيا في تغطية الأحداث بشكل أفضل وأسرع، حيث أصبح من السهل على الصحافيين في كل مكان تسجيل الأحداث وتبادلها لضمان وصولها لأبعد مدى، وتسجيل فيديوهات توثق الاعتداء عليهم؛ وأحد أهداف إسرائيل الدائمة هي حجب مشاهد الحقيقة عن العالم، وهذا هو السبب الحقيقي وراء تعرض الكثير من الزملاء لانتهاكات متنوعة أثناء قيامهم بالعمل، ودون مراعاة لأية أعراف أو مواثيق دوليةـ، ولكن هذا الأمر تغير من خلال التوثيق بكاميرا الموبايل والنشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي يدرك الجميع أنها أصبحت جزءًا من المهنة، وأداة لتوصيل المعلومة ونقل الحدث. 

       هل أثر النقل المباشر لقصف مبنى المؤسسات الإعلامية وغيرها من المشاهد الدامية على طبيعة الخطاب الإعلامي العالمي تجاه الاحتلال الإسرائيلي؟ 
أعمل كمراسلة لتلفزيون دبي ولإذاعة مونتي كارلو، ومكتبي يقع في عمارة الجلاء التي دمرتها إسرائيل، والمشهد كان مرعباً، ولا أنكر أني بكيت لحظة القصف؛ فاللحظة كانت موجعة ونحن نشاهد مبنى من 13 طابقٍ، لا يحتوي إلا على معدات وأرشيف وصحافيين، يقصف بـ 4 صواريخ دون أي سبب، ولم تستجب إسرائيل لمناشداتنا لإخراج المعدات، ممّا أظهر كمّ الغطرسة الإسرائيلية. وأعتقد هذا القصف تحديداً كان نقطة تحول لأنه أظهر كذب الرواية الإسرائيلية بأنها تقصف أماكن عسكرية وحسب. 

كما أننا قبل عدة أيام من قصف مبنى الجلاء كنا في بث مباشر من المسجد الأقصى واعتدت خلاله القوات الإسرائيلية على الصحافيين لمجرد أننا نصور بالموبايل، وعلى الرغم أننا كصحافيين عند مناطق الحواجز نتواجد في تجمعات ونرتدى ملابس وخوذات مكتوب عليها  بشكل واضح “صحافة” ومع ذلك يستهدفوننا؛ فيوسف أبو حسين، أحد زملائنا من العاملين في إذاعة محلية، توفي وأصيبت عائلته بالكامل بعد قصف منزله، وسجلت نقابة الصحفيين الفلسطينيين أكثر من 120 انتهاكاً في 10 أيام على الصحافيين. نتكلم هنا عن انتهاكات تتضمن إصابات بالرصاص المطاطي، وإطلاق الغاز المسيل للدموع، والمنع من الوصول لأماكن الأحداث والمعلومات، وضرب ومصادرة معدات، واحتجاز لساعات، وعدم حمايتنا من اعتداءات  المستوطنين المسلّحين.

        ما أهم الصعوبات التي تواجهك في العمل كمراسلة داخل فلسطين؟
كصحافيين، نحن ممنوعين من الوصول لأماكن الأحداث، سواء في المدن المختلفة أو حتى داخل المدينة الواحدة، وتحت رحمة الأوامر العسكرية، إسرائيل لا تريد للإعلام أن ينقل حقيقة ما يحدث لذلك تستهدف العاملين بالإعلام، سواء كانوا فلسطينيين أو أجانب. خلال 2020 سجلت نقابة الصحفيين 185 انتهاكاً منها 24 تم استهدافهم بالرصاص الحي، و26 اعتقال، و20 اقتحام لمقرات، 18 اعتداء بالضرب، بينما سجلت منظمات حقوقية أخرى 450 انتهاكاً، منها قصف بالطائرات، والدبابات والزوارق، وخلال عام 2019 أكثر من 500 اعتداء. هذه المرة أكثر من 26 مقر تعرض للضرب والاعتداء في غزة والقدس، ومنذ عام 1970 وحتى اليوم قُتل  102 صحفي بخلاف الجرحى. كصحافيين/ات، نتعرض لكل هذه الاعتداءات بدون أي احترام لهويتنا الصحفية.  

      كنت واحدة ممن تعرضوا للأذى من جانب القوات الإسرائيلية خلال عملك. كيف يمكن أن تؤثر الاعتداءات علي الصحافي/ة أو زملائه/ها على حيادية تغطية الأخبار؟
قبل سنوات تعرضت للإصابة بالرصاص المطاطي والاعتقال خلال تغطية هجمة استيطانية في القدس، وأثناء عملي مع قناة النيل للأخبار المصرية في عام 2003، حاصرت الدبابات الإسرائيلية مكتبنا لمدة أربعين يوماً قبل أن تقتحمه ويتم الاعتداء علينا بالضرب. يكون الإعتداء على الصحافيين موثقاً بالكاميرا، وهو ما حدث معي، ومع المصورين رائد الحلو وجوزيف حنضل الذين ضرب عليهم القناصة 14 رصاصة أثناء وجودهم داخل سيارة تحمل شعار التليفزيون وأصيب جميل جوزيف فى رقبته، ورغم التوثيق، لا يحدث أي إجراء عند الذهاب بشكاوى للشركة أو المحكمة. أذكر أنه أثناء تواجدي في بيت أيل مع زميل من القناة الثانية الفرنسية الثانية وأثناء العمل، استهدفنا جندي بسلاحه بشكل مباشر وأصابت الرصاصة مصور القناة الفرنسية، وتم تسجيل الحدث ورفعت المحطة دعوى لكن الجندي لم يعاقب. 

ما أهم النصائح التي توجهينها للصحافيين/ات المسؤولين/ات عن تغطية أخبار مناطق الصراعات لحماية أنفسهم؟
حتى في الحرب تكون هناك أخلاقيات، لكن في غزة لا توجد أي أخلاقيات وإسرائيل تتعامل معها باعتبارها مكاناً مستباحاً مما يزيد من صعوبة عمل الصحافيين الذين يتعرضون للانتهاكات طوال الوقت حتى في فترات الهدوء، وبشكل عام فإن أهم النصائح هي: التواجد في تجمعات من الزملاء، والتنسيق لتوثيق أي انتهاكات يتعرض لها الصحافيون، ارتداء الواقيات والخوذة، وقناع الغاز، وان تكون ملابسنا وخوذاتنا وسياراتنا مكتوب عليها بشكل واضح كلمة “صحافة”، والأهم أن نظل ملتزمين بتغطية الأحداث ونقل الحقيقة للناس.

كيف تؤدي الصحافيات عملهنّ في ظل هذه الأوضاع الخطرة؟
هناك قوة في المشهد الصحفي للنساء في فلسطين، وتغطي الصحافيات الأحداث بنفس القوة والجرأة في كل الأماكن لكل وسائل الإعلام المحلية والأجنبية وفى كل الوظائف المتعلقة بالإعلام، وعددهن في تزايد وهن مصدر فخر لي باعتباري واحدة منهن. كما إنني أم لطفلين وفى كل مرة أخرج للعمل أفكر في أطفالي، لكن حياتي ليست ملكي بمفردي فلدي مسؤوليات تجاه أولادي وتجاه الناس في فلسطين. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *