Search
Close this search box.
Search
Close this search box.

الصحافيون/ات وثمن انفجارات بيروت على الصحّة النفسية

يوم 4 آب/أغسطس، وخلال ثانية واحدة، تغيّرت حياة الآلاف من اللبنانيين/ات الى الأبد. أسفر انفجاران ضربا مرفأ المدينة عن مقتل أكثر من 220 شخصاً وإصابة أكثر من 7000 وإلحاق أضرار بأكثر من 70 ألف منزل ومبنى وتشريد 300 ألف شخص، كتبت ميرا عبدالله. 

لم يكن للإعلام والصحافيون/ات ومتدربات برنامج النساء في الأخبار في بيروت محصّنون لاستيعاب الحدث الكارثي.

تضررت مكاتب 28 مؤسسة إعلامية من جراء الانفجار، وأصيب 18 منها بأضرار بالغة. كما أصيب 44 صحفياً/ةً في الانفجار، وفقًا لخريطة الأضرار التي أعدتها مؤسسة سكايز SKeyes.

بعد ست دقائق فقط من الانفجار، كان الصحافيون/ات من مؤسسات دوليو ومحلّية قد وصلوا/نَ الى موقع الانفجار للنقل المباشر وكتابة التقارير، على الرغم من أنهم/نّ قد نجوا للتو من الصدمة نفسها التي يعاني منها غالبية القاطنين/ات في بيروت. وحتى ال’ن، لم يتوقّفوا من نقل الأخبار من موقع الحادث والأحياء المتضررة منذ ذلك الحين.

لم يكن لدى أي من الصحافيين/ات الوقت الكافي لاستيعاب ما حدث، فالكثير منهم/نّ كان في موقع الانفجار وفي المستشفيات، حيث شهدوا مشاهد مروّعة للقتلى والجرحى. 

يفيد الكثيرون/ات بأنهم أصيبوا بصدمات نفسية جرّاء الانفجاء، والكثير منهم/ن غير قادرعلى النوم مع أرق الشديد، ويشعر بالغضب أو عدم القدرة على التركيز. يشعر البعض بذنب الناجي/ة أيضاً. قد يكون فيديو المراسل ألان درغام (MTV Lebanon) الذي انتشر مثالاً على الحالة النفسية للكثير من الصحافيين/ات في لبنان، اذ انهار المراسل بكاء على الهواء مباشرة في اليوم السادس بعد تغطيته تداعيات الانفجار دون توقّف. انتشرت أيضًا مقاطع فيديو لمراسلين آخرين وجدوا أنفسهم/نّ في الموقف نفسه على البث التلفزيوني المباشر.

أتت هذه المشاعر في وقت كان الإعلام والصحافيون يعانون من سنة مرهقة وصادمة، خاصّة إثر الأزمة الاقتصادية في البلد، وجائحة كوفيد-19، والغضب الشعبي المتصاعد بسبب الفساد ومسؤولية الحكومة، ممّا أرهق الصحافيين/ات. كما كانوا يواجهون أيضًا حملة قمع ضد المعارضة.

بعد الانفجار، أصبح للجيش صلاحيات أكبر بموجب حالة الطوارئ، يمكن أن يستخدمها لقمع أي احتجاجات. كما يسمح لهم هذا القرار بفرض رقابة على وسائل الإعلام.

كان غضب أهل بيروت ملموسًا. في 8 آب / أغسطس، بعد أربعة أيام فقط على الانفجار، بدأت الاحتجاجات في ساحة الشهداء في وسط بيروت. وطالب أكثر من عشرة آلاف مواطن/ة غاضب/ة بمحاسبة المتسببين في الانفجار. كما أرادوا تغيير النظام السياسي.

ردت القوى الأمنية على هذه الاحتجاجات  بإطلاق الغاز المسيل للدموع وإطلاق الرصاص المطاطي على المتظاهرين/ات، مع أن الكثير منهم كانوا سلميّين. أفاد أطباء متطوعون بأن القوى الأمنية استخدمت الرصاص الحي، ممّا أدى إلى إصابات غير مقبولة.

وتلا ذلك موجة اعتقالات. تم اختطاف بعض المتظاهرين، الذين تم تصويرهم وهم يدوسون على صورة الرئيس اللبناني، من منازلهم.

لم تنه استقالة الحكومة في 10 آب / أغسطس الاحتجاجات والمطالبة بإجراء تحقيق "جاد" لمحاسبة النظام الفاسد وكل السياسيين المرتبطين به.

صادق البرلمان يوم الخميس 13 أغسطس على حالة الطوارئ. فهو يمنح الجيش اللبناني سلطة على المدنيين في "جرائم تتعلق بخرق الأمن". يمكن بموجب هذا القرار للجيش إغلاق أماكن التجمع، وفرض حظر التجول، وحظر التجمعات التي تعتبر "تهديداً للأمن". كما يعطيه صلاحية فرض الرقابة على المطبوعات والإذاعة والتلفزيون، وفرض الإقامة الجبرية على كل من يشارك في أنشطة تعتبر "تهديدات أمنية"، ودخول المنازل في أي وقت وفرض غرامات. يأتي كل ذلك في وقت تتبنى فيه المؤسسات الإعلامية الرئيسية في لبنان بشكل واضح وصريح مطالب المواطنين في تغيير النظام السياسي والمساءلة.

الغضب والصدمة الجماعية

 يعيش تقريباً كل شخص كان في بيروت يوم الانفجار حالة من الصدمة. 

عندما وقع الانفجار، كان معظم سكان وروّاد بيروت وضواحيها إما في سياراتهم أو يقومون بشراء بعض الحاجيات أو في منازلهم. وكان قد تبنّى لبنان، مثل غيره من البلدان، إجراءات الإغلاق المتعلقة بـفيروس كوفيد-19: تم إغلاق غالبية المدارس والشركات، وكان معظم الناس يعملون من المنزل. ومع ذلك، لم يكن هناك مكان آمن في 4 أغسطس / آب: دمّر الانفجار كل شيء.

ما بدأ كحريق صغير في المرفأ، تسبب في انفجار أوّل متوسّط الحجم. لذلك كان الأشخاص الذين كانوا في الجوار يصورون الانفجار الأوّل، وتمكنوا من التقاط الحدث الدرامي على الكاميرا.

كانت اللحظة نفسها صادمة للجميع. أبلغ الكثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي أنهم أصبحوا الآن يخافون من صوت الزجاج المحطّم. هذه الصوت شكّل ذاكرتهم الرئيسية للحدث، بعد أن رأوا وسمعوا كل الزجاج في دائرة قطرها 15 كم من الانفجار. لكن الضغط الحقيقي ظهر بعد أن بدأ السكان يدركون حجم الضرر. لم تكن الساعات القليلة الأولى سوى ضمان إجراء بحث مناسب عن المفقودين، والتأكّد من التبرع بالدم الكافي وأن كل شخص بحاجة إلى المساعدة الطبية الطارئة كان يحصل عليها.

دمر الانفجار أربعة مستشفيات رئيسية في المدينة، مما أسفر عن مقتل العشرات من المرضى والأطباء والممرضين/ات، مما جعل من الصعب على الكثير الجرحى تلقي المساعدة الطبية الفوريّة. لم يتمكن الصليب الأحمر اللبناني من تأمين سيارات إسعاف كافية لنقل الضحايا المصابين بجروح خطيرة.

بدأ الغضب عندما توقف البحث عن الضحايا المفقودين، بعد ساعات قليلة من الانفجار، لعدم توفّر إضاءة كافية على المرلفأ بسبب انقطاع الكهرباء. كان هذا الفشل نتيجة مباشرة للفساد. في نفس اليوم الذي لم يكن هناك أي شخص في بيروت الّا وفقد شيئًا – أحباء، منازل، مكاتب، أماكن مفضلة، ذكريات – توقفت السلطات اللبنانية عن البحث عن ناجين.

في صباح اليوم التالي، توقع الشعب اللبناني سلسلة من الاستقالات أو الاعتذارات أو اعترافات من السياسيين. وبدلاً من ذلك، فوجئ بالغياب التام للسلطات الرسمية وصمتها. أدرك الكثير من اللبنانيون في هذه اللحظة أنهم تُركوا وحدهم للملمة قطع مدينتهم.

الشباب والنساء يتصدرون أعمال الإغاثة

شوهد الآلاف من المتطوعين/ات في شوارع بيروت في اليوم التالي وهم يحملون أشياء بسيطة مثل المكانس والمعاول لتنظيف المدينة. جاء متطوعون من خارج بيروت للمساعدة. بدأت جهود التنظيف في الساعة 6 صباحًا، وكان من الواضح أن أحداً لم يتمكّن من النوم في الليلة السابقة. كانت على وجوه الجميع نظرة فارغة، ولم يدرك أي من أولئك الذين بذلوا قصارى جهدهم للمساعدة ما حدث تماماً.

كانت الفوضى تعمّ المشهد. لم يعرف المتطوعون من أين يبدأون أو ماذا يفعلون. كانوا ينظّفون وحسب. مجموعات أخرى كانت تساعد العائلات في المنازل المتضررة أو الجرحى. في هذه اللحظة، لم يكن هناك مكاناً للإصابات غير الخطيرة في المستشفيات. كان على المصابين أن ينتظروا لأيام قبل أن يتمكنوا من تلقّي العلاج. المتطوعون ذوو الخبرة الطبية (المسعفون والأطباء والممرضات والكشافة، وحتى أولئك الذين حضروا تدريبًا على الإسعافات الأولية) كانوا يملأون الفراغ. بعد يوم واحد، بدأ المتطوعون/ات الشباب في تقييم احتياجات المنازل التي تم تنظيفها من الزجاج المحطّم، وإغلاق النوافذ المفتوحة بالستائر البلاستيكية، وتنظيم حملات جمع وتوزيع الطعام والطهي لأولئك الذين فقدوا لوازم المطبخ.

كما ركزت مجموعات من النساء على كبار السن، وخاصة أولئك الذين رفضوا مغادرة منازلهم رغم احتمال انهيارها، وعلى الأطفال والأمهات. كانت هذه المجموعات تقدم الطعام والحليب والحفاضات للأسر التي لديها أطفال. ركز بعضهنّ على الأمهات المرضعات لمساعدتهن على مواصلة الرضاعة الطبيعية حتى بعد الصدمة التي عشنها.

لقد سارع المواطنون/ات لخلق مبادرات الإغاثة كما لم يحدث من قبل، لكن المزاج الجماعي لا يزال يسيطر عليه الغضب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *