Search
Close this search box.
Search
Close this search box.

صحافيات مستقلات في مهبّ كورونا… معاناة مضاعفة في لبنان

حنان حمدان 

"كفريلانسر، كتبت عدداً من المقالات المتعلقة بجائحة كورونا، لكنني أتردد حين يُطلب منّي إجراء تحقيقات ميدانية مرتبطة بكورونا، على غرار زيارة مستشفى تعالج بعض الحالات المصابة أو لقاء مرضى مصابين بالفيروس المذكور، فأفضّل اجراء التقارير والمقابلات عبر الهاتف وبواسطة البريد الإلكتروني، أولاً لأنني أخشى الإصابة ونقل العدوى إلى عائلتي، وثانياً، فأنا وكمعظم الصحفيين المستقلين لا أملك تأميناً صحياً"، هذا ما قالته سارة عبدالله، وهي صحافية مستقلة (فريلانسر) تكتب في مؤسسات عدّة محلية ودولية.

واضافت عبدالله: "ترددي هذا، يأتي في وقت أواجه فيه مع كتاب مستقلين آخرين، مشكلة تأخر دفع مستحقاتنا المالية وتضاؤل عدد مقالاتنا بسبب تأثر المؤسسات الإعلامية نفسها بالتداعيات الإقتصادية لهذه الجائحة". 

واللافت ان سارة هي واحدة من صحافيات كثر يعملن بشكل حرّ مع مؤسسات إعلامية في لبنان وخارجه، وتضررن أكثر من سواهنّ، بعد وصول فيروس كورونا أو كوفيد19 إلى لبنان، ليس من الوباء العالمي الجديد وحسب، إنّما كونهنّ صحافيات يعملن بشكل حرّ ولا تلتزم غالبية المؤسسات تجاههنّ بأيّة واجبات كالتأمين الصحي والحماية القانونية والإقتصادية والنفسية، فتتم معاملتهنّ وكأنهنّ صحافيات "درجة ثانية". 

وكان لبنان قد أعلن في 21 شباط/فبراير 2020، عن تسجيل أول إصابة بفيروس كورونا لسيدة لبنانية كانت على متن طائرة قادمة من إيران، لتتوالى بعدها الحالات ويرتفع عدد الإصابات بحيث وصل العدد التراكمي حتى كتابة هذا المقال الى 1233 إصابة.   

قصص وتحديات

ربما تكون قصص الصحافيات اللواتي يعملن بشكل حرّ، مشابهة لقصص الكثير من الصحافيات في العالم العربي وربما الغربي، الذكور كما النساء أيضاً، لكن ظروف الصحافيات اللبنانيات والصعوبات التي تواجههن ربما تكون أكبر وأعمق، نتيجة الأزمات النقدية والمالية والإقتصادية التي عصفت بلبنان في الأشهر القليلة الماضية، وتسببت بخروج آلاف اللبنانيين في تشرين الأول/أكتوبر 2019، الى الشوارع إحتجاجاً على تردي الأوضاع المعيشية في البلاد، مع العلم ان مظاهر الإحتجاجات لا تزال لحدّ الآن تتنقل بين منطقة وأخرى رغم ركودها لأكثر من شهر نتيجة الحجر الصحي.

يارا نحلة هي واحدة من الصحافيات اللواتي يكتبن كفريلانسر في أحد المواقع اللبنانية، تقول إنّ "خوفي الأول هو أنّ أفقد عملي كلياً، إذ انخفض عدد المقالات التي اكتبها نتيجة الحجر الصحي، وانحصرت المواضيع التي أتطرق إليها بالأحداث التي نشاهدها عبر السوشال ميديا. وخوفي الثاني، كان سيكون عدم وجود أي ضمان صحي واستشفائي، لولا أنني أملك تأميناً صحياً خاصاً وليس لأنني صحافية". 

وتضيف نحلة: "كفريلانسر بت أقبض بدل أتعابي بالعملة الوطنية (الليرة اللبنانية) على سعر صرف منخفض للدولار، وبالتالي إنخفضت القيمة الفعلية لمستحقاتي إلى النصف تقريباً"، لافتة إلى أنّ غالبية المؤسسات الإعلامية تدرك جيداً حاجة الفريلانسر الى العمل في ظل قلة الفرص المتاحة حالياً، لذا تفرض شروطها المجحفة في بعض الأحيان.

من حيث المبدأ، بإمكان الصحافيات المستقلات العمل من المنزل وكتابة المقالات والتحقيقات عبر الإستعانة بأدوات التواصل الحديثة، لكن ذلك لا ينفي الضرر الواقع عليهنّ، جرّاء تفشي الفيروس.

وتعليقاً على هذه النقطة، قالت يارا نحلة: "بحكم عملي في صفحتيّ الثقافة والميديا، تمكنت من إنجاز المقالات من داخل المنزل، ولكن، لم يكن العمل بالوتيرة المعتادة، كونه لم تنفذ نشاطات كثيرة في الآونة الماضية بسبب فيروس كورونا".  

وبدورها تحدثت أورنيلا عنتر، وهي صحافية حرة من لبنان، عن تأثير كورونا على عملها: "كفريلانسر قد أكون محظوظة أكثر من غيري، بسبب إمتلاكي بطاقة صحافة حصلت عليها حين كنت أعمل كموظفة في إحدى المؤسسات الإعلامية، ورغم استمراري بالعمل فيها كفريلانسر، إلا أنّه يتم تجديد بطاقتي سنوياً، الأمر الذي سهل تنقلي أثناء الحجر المنزلي".

واضافت عنتر: "قلقي الدائم مرتبط بمسألة التأمين الصحي، كوني لست موظفة، وبالتالي ليس لدي أيّ ضمان أو تأمين صحي واستشفائي، والمشكلة تكمن في كوني معرّضة للإصابة بالفيروس خلال تأدية واجبي المهني، مقارنة بالأفراد الّذين لا يُحتّم عليهم عملهم الإختلاط كثيراً مع الناس، كما أنّ مدخولي ليس ثابتاً". 

وبالرغم من المشاكل والصعوبات التي تواجهها في عملها، إلا أن أورنيلا عنتر اكدت ان طبيعة العمل الحر تناسبها أكثر من العمل الثابت: "رغم هذه الصعوبات فإنّ عملي كفريلانسر يناسبني أكثر، كوني أعيش في شمال لبنان ولست مجبرة للنزول يومياً الى مكتب الجريدة في بيروت، وما سهل عملي أكثر، أنّني على معرفة جيدة بفريق العمل الّذي عملت معه لحوالي ثلاث سنوات قبل أن أصبح فريلانسر".

ويضاف إلى ما ذكرته الصحافيات اللواتي تحدثنا إليهن، تحديات أخرى كثيرة منها، بحسب ما ذكرت سارة عبدالله: "بما أنّ المؤسسة لا تؤمّن لنا الحماية المباشرة، علينا أن نضع بأنفسنا خارطة الأمان للعمل الميداني، كي لا نتعرض للخطر أثناء نقل تجارب الممرضين والمرضى الى القراء، كذلك علينا تأمين الحماية الرقمية، تكبد تكاليف معدات التسجيل والتصوير والكمامات والقفازات والمستلزمات الوقائية، تحمّل الضغوط النفسية في ظل غياب التوجيه النفسي المؤسسات والبحث عن مصادر الدعم في حال تضاؤل أو خسارة العمل، مثل صناديق الإغاثة الطارئة للصحفيين/ات والجهات التي تقدم المساعدات القانونية".

واقع مذرٍ

في الواقع إنّ غالبية الصحافيات الفريلانسر يتشاركن في مواجهة تحديات وصعوبات مشابهة، سواء كان ذلك قبل حلول فيروس كورونا المستجد ضيفاً ثقيلاً في لبنان وبعده.

كشفت ليال بهنام، مديرة البرامج في مؤسسة "مهارات"، وهي مؤسسة غير حكومية تعنى بقضايا الإعلام وحرية الرأي والتعبير تأسست في العام 2006، إنّ صحافيات الفريلانسر يواجهن ثلاث تحديات أساسية في لبنان: عدم تمثيلهنّ-كما كثير من الصحافيين-في نقابة المحررين، وبالتالي عدم حصولهنّ على بطاقة صحافي تعرّف عنهنّ، ثمّ انّ غالبيتهنّ يعملن من المنزل حيث تتراكم أعباء إضافية كونهنّ نساء يحكمهنّ نظام أبوي لا تتقاسم فيه الأدوار بشكل متساوٍ بين المرأة والرجل في المنزل، وبالتالي يقع على عاتقهنّ مهمة الأعمال المنزلية والإهتمام بالأولاد وتعليمهنّ نتيجة هذه الذهنية الطاغية في مجتماعتنا العربية. أما التحدي الأخير فإنّه مرتبط بالعمل الصحافي تحديداً، حيث بات يفترض أن يكون الصحافي متمتعاً بمهارات مختلفة كصناعة فيديو وتصوير ومونتاج وفوتوشوب، بسبب صعوبة تواجده مع فريق العمل في زمن كورونا، فبات عليه القيام بعمل مجموعة كاملة وليس كفرد مستقل.

وانطلقت بهنام من هذه التحديات، لتطرح بعدها بعض الحلول التي يمكن أن ننطلق منها لتحسين واقع الصحافيات الفريلانسر في هذه الظروف، منها: "إيجاد إطار قانوني لضم هؤلاء الصحافيات الى نقابة المحررين وإعطائهنّ بطاقات صحافية تسهل عملهنّ في مثل هذه الظروف، وهذا الأمر يدخل في تنظيم المهنة، والقيام بالمزيد من التدريب على المهارات الإضافية التي تتطلبها هذه المرحلة لإنتاج مواد صحافية متكاملة لوحدهنّ وليس ضمن فريق عمل".

قانونياً

من جهتها قالت المحامية ديالا شحادة أنّ هذه الفئة من الصحافيات تعاني صعوبات أكثر من الموظفات في ظل كورونا، "لأنهنّ لا يخضعن لقانون العمل، الأمر الذي يحرمهنّ من حق الإستفادة من التسجيل في صندوق الضمان الإجتماعي والحصول على تعويض نهاية العمل وعلى بدل صرف تعسفي عند صرفهنّ، وجميع الحقوق والحماية المكفولة في القانون المذكور، ومن جهة أخرى فإنّ ظروف كورونا تمنعهنّ من اللجوء الى المقاضاة أمام القاضي المالي لتحصيل حقوقهنّ لجهة بدل المواد الصحافية التي يقومون بها". 

واوضحت شحادة "إنّ الظروف الراهنة تعرقل عمل الصحافيين/ات الذين يعتمدون في مدخولهم على العمل الذي يوفرونه وليس على أساس عقد ثابت مع المؤسسة، والّذين لا تتأثر مستحقاتهم بالظروف القاهرة". 

واستهجنت شحادة كيف أن "عمل المحاكم معلّق بموجب قرار التعبئة العامة من جهة ولكنه غير معلّق بوجه الصحافيين الذين يسلّطون الضوء بعملهم الصحافي والإعلامي الحر على مكامن وشبهات الفساد وسوء الإدارة، وقد رأينا في لبنان القضاء يتحرك باستدعاءات لصحافيين بموجب شكاوى من النافذين المتضررين من عملهم الصحافي".  

واعتبرت شحادة، أنّ "مرجع الحماية والحصانة للصحافيين/الصحافيات، يفترض أن يكون نقابتهم والقوانين المرتبطة وتحديداً قانون المطبوعات، أيّ أن تقوم نقابة المحررين بمراجعة نظامها الداخلي ليشمل جميع الصحافيين الفعليين، وأن يتمّ تعديل قانون المطبوعات لمواكبة تطور التكنولوجيا وظهور وسائل إعلام غير التقليدية الأكثر تأثيراً راهناً".

ولفتت شحادة إلى أنّ الصحافة هي سلطة رابعة عرفاً في كل دول العالم التي تسير وفق مبدأ الديمقراطية، كما ان حرية التعبير منصوص عنها في الدستور اللبناني، وهذه الحرية هي التي ميّزت لبنان، وبالتالي فإنه لا يجب بتاتاً المس بالحريات أو التفريط بأهميتها على مستوى تقدم وازدهار الدولة. 


يقوم برنامج النساء في الأخبار بإجراء دراسة لفهم كيفية تأثير جائحة كوفيد-١٩ على العاملين/ات بمجال الإعلام حول العالم. وسوف يتم استخدام نتائج هذه الدراسة في تطوير تصميم البرامج والدعم المقدم للمشاركين في برامج النساء في الأخبار. كما سيتم نشر النتائج على الصعيد العالمي، وذلك للمساهمة في رفع الوعي حول الدعم المطلوب  لصناعة الإعلام بشكل عام. نشكركم على وقتكم في استكمال هذا الاستبيان: http://womeninnews.org/ar/post/124

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *